علم النفس: الصحة النفسية للطفل الرضيع وتطوارتها
التطور الطبيعي للرضيع من الناحية النفسية والعاطفية
مرحب بكم زوار موقعنا الكرام "التربية الذكية" في موضوع اليوم قدمنا وناقشنا أمر مهم جدا في حياة الطفل، ويعتبر الإنطلاقة الأولى لضمان تربية سليمة وصحيحة للطفل، كون هذا الأمر له تأثير على المدى البعيد لحياته وله عواقب وخيمة إن قمنا بتاجهله وهذا ما كانت تقوم به معظم الأمهات نظرا لنقص التوعية التربوية في السابق وتدوال الأجيال لمعتقدات جاهلة فيما يخص تربية الأطفال، نقدم لكم موضوع تطورات الصحة النفسية للرضيع وضمان صحتها.
الصحة النفسية للطفل الرضيع وتطوراتها
قد يبدو العنوان غريبا نوعا ما لبعض الامهات الجدد لكن أهميته وتأثيره على المدى البعيد أهم بكثير، نعم هناك ما يسمى بالصحة النفسية للطفل الرضيع حيث يعتبر هذا الجانب مهم كثيرا لضمان نمو طفل سليم من ناحية الأخلاق والسلوكيات، كون معظم الآباء والامهات يهتمون فقط بالجانب الصحي بالأخص الرضاعة، اللبس والتلقيح، لكن في الواقع هم قليلون الذين يتحدثون عن الصحة النفسية للطفل الرضيع أو يمكن القول أن هذا الموضوع ليس شائعا ولم يلقى أي إهتماما من طرف الشعوب العربية، والأمر الغريب في ذلك ان أغلب الأخصائيين النفسانيين لم يتكلموا عن الجانب الصحي لنفسية الطفل الرضيع مع أنهم على دراية بذلك في مشوارهم الدراسي والعملي.
لهذا السبب إخترت أن أركز على هذا الجانب فيما يتعلق بالصحة النفسية للرضيع وتطوراتها ولا ننسى بالطبع التأثير السلبي لها على سلامة نمو طفلك الرضيع إذا قمنا بتجاهلها، حيث التطور الطبيعي للرضيع من الناحية العاطفية يبدأ من أول يوم يعيشه في هذه الحياة، إلى غاية مرحلة المراهقة لهذا هو أمر ضروري يجب على كل الآباء والأمهات أن تكون لديهم نظرة سطحية او معمقة فيما يخص تطورات الصحة النفسية لطفلهم الرضيع، ويعتبر هذا الجانب المفتاح الرئيسي الذي يحتاجه الأهل طوال فترة تربية الأبناء كونه موضوع جد حساس بل هو أساس نجاحك في تربية طفل سليم لا يشكو من أي مشاكل نفسية أو عاطفية التي قد تؤثر بالسلب على حياته المستقبلية وعلاقاته مع من حوله فيما بعد.
النمو الصحي لنفسية الرضيع من الولادة إلى عمر سنتين
يعد اول يوم لولادة طفل هو أمر مهم ومفرح في نفس الوقت بالنسبة للأهل، وعلى قدر ما هو مميز بالنسبة لكم إلا أنه أمر مخيف بالنسبة لطفلك الرضيع، فتخيل معي أن تكون في بيتك تنعم بالدفء والحنان والتغذية ثم فجأة يتم نقلك إلى مكان غير مألوف لك والرؤية فيه غير واضحة بالإضافة إلى وجود أصوات غريبة حولك، ستشعر بالخوف أليس كذلك؟ هذا هو حال طفلك الرضيع لما يخلق لأول مرة في هذا الكون، الذي يعتبره مكان غريب.
في هذه المرحلة العمرية بالذات من حياة الطفل الرضيع، يعتبر مكان واحد فقط هو مصدر هدوء وراحة بالنسبة إليه ألا وهو حضن والدته، كونه يتعرف على والدته من خلال نبضات قلبها والإحساس بنفس الدفء الذي كان يحظى به وهو بداخل جسمها، لذلك الأمر مختلف عما هو متدوال بين الناس فيما يتعلق بتربية طفلك الرضيع حيث ينصح معظم الأشخاص الذين قد يقومون بزيارتك في هذه الفترة بعدم حمل طفلك الرضيع بغية عدم تعويده على حضنه طوال الفترة التي يتطور فيها بحجة أن الرضيع قد يتعود على ذلك مما قد يتسبب فيما بعد بعرقلة الروتين اليومي فيما يخص تنظيف البيت، وهذا هو الخطأ الشائع في العالم العربي ككل، حيث يخطئون في وضع أولاوياتهم في الحياة، فكيف لك انت كأم أن تفضلين تنظيف بيتك على ان تضمني نمو طفل سليم نفسيا وعاطفيا قادر على أن ينجح في حياته فيما بعد.
فهل هانت عليك 9 شهور وهو في بطنك يستمتع بسماع صوتك، يشعر بالدفء وهو داخل جسمك، ثم في الأخير يصبح بجانبك ويتلقى الحرمان العاطفي منك؟ هو ليس بالأمر السهل عليه، فتأكدي أيتها الام أنك لو ما قمتي باعمالك المنزلية في وقتها لن ينقص ذلك من قيمتك كأم عكس لو تركتي الرضيع يبكي خائفا من عدم وجودك بجانبه مفكرا ان ليس هناك من يعتني به. لذلك أرجو ان يكون التطور التكنولوجي الذي وصل إليه العالم اليوم قد ساهم في حذف هذه المعتقدات العقيمة التي لا تمد بأي صلة فيما يتعلق بتربية الأطفال الرضع.
من اهم الأشياء الضرورية في التطور النفساني السليم للطفل الرضيع هي قدرته على التواصل مع الأم، وكذلك قدرته على بناء علاقة وطيدة ومتينة بينه وبين أمه، لان الطفل في هذه المرحلة يجب ان يتكون بداخله شعور الثقة بوجود شخص يعتني به ويوفر كل إحتياجاته العاطفية والجسدية، وحدها الام هي القادرة على تكوين شعور الثقة بداخله، وهناك دراسات أثبتت أن إحساس الطفل بعدم وجود شخص يهتم به أي إنعدام الثقة، قد يؤدي هذا الأمر فيما بعد إلى مشاكل سلوكية يتعرض لها الطفل عند الكبر وهذا قد يضعف شخصيته ويجعله شخص لا يثق بأحد، لأن الطفل في هذه المرحلة الحساسة من عمره يكون لديه إحتياج كبير للمس لدرجة أن لو قام احد بضربه سوف يشعر بالسعادة لمجرد لمسه.
إن التركيز على صحة طفلك النفسية وحرصك على إشباعه عاطفيا يعود بالنفع لك بالدرجة الاولى حيث سوف تقومين بحماية طفلك من تعرضه للامراض النفسية المستعصية، بجانب شعوره بالسعادة والإطمئنان فهي مجرد رحلة قصيرة قد تستمر معك لمدة سنتين فقط حيث الطفل الرضيع في هذه المرحلة لا يزال يعتقد أنك جزء من جسده لذلك قد تلاحظين تعلقه الشديد بك في هذه الفترة وبمجرد أن يصبح مستقل وقادر على المشي والجلوس وإلتقاط الأشياء بنفسه يبدأ في إستوعاب الإستقلال الجسدي عنك، حينها تصبح فكرة إبتعادك عنه أو الإختفاء عنه للحظات لن تشكل هاجس من الخوف لديه ولن يضطر للبكاء حينها كما كان يفعل في السابق.
نظرية بعض علماء النفس فيما يخص الصحة النفسية للرضيع
ولإثبات الكلام الذي ذكر فوق، سوف أقوم بإثبات ان الإهتمام بالصحة النفسية لطفلك الرضيع أمر ضروري وان هناك دراسات وتجارب أجنبية أثبتت صحة هذا الكلام، وهناك علماء مختصين في علمم النفس قامو بتجارب أثبتت صحة هذا الامر، من بينهم:
تجربة العالم هارلو فيما يتعلق بالصحة العاطفية للطفل الرضيع
قام العالم هارلو بدراسات على القرود حديثة الولادة، حيث قام بأخذ قرد من حضن الام بمجرد ولادته ووضع هذا القرد ، داخل مكان فيه لعبتين مختلفتين على شكل قرود، وأصر العالم هارلو على أن يقوم بتغطية إحدى اللعبتين بقماش ناعم وترك اللعبة الثانية على حالها، مع قدرة اللعبتين على توفير التغذية اللازمة للقرد حديث الولادة، فلاحظ العالم هارلو من خلال هذه التجربة ان القرد الرضيع يميل أكثر إلى اللعبة التي عليها قماش ناعم، وأن القرد كان يقضي معظم وقته مع هذه اللعبة بالرغم من انه كان يتلقى التغذية اللازمة من كلتا اللعبتين.
ومن خلال هذه التجربة التي قام بها هارلو، نستنتج أن حتى الحيوان بحاجة إلى الرعاية العاطفية والتواصل الجسدي وليس فقط الأكل والشرب، وأن الرعاية العاطفية والنفسية لا تقتصر على الإنسان وحده فقط.
رأي العالم جون بولبي فيما يخص الرعاية النفسية للرضيع
يعد العالم جون بولبي من أشهر علماء النفس، ويعتبر من أحد العلماء الذين أعطوا إهتماما كبيرا فيما يخص التطور النفسي للطفل، حيث أكدت معظم دراساته على ان نفسية الطفل الرضيع تتكون منذ صغره أو منذ أول يوم يعيشه في هذا العالم، وكذلك أصر على أن العلاقة التي تربط الطفل الرضيع بأمه هي علاقة تبادل، أي بطريقة أخرى أن الإحتياج العاطفي لا يقتصر على الطفل فقط، بل كذلك الأم تحتاج إلى أن تحضن طفلها الصغير بشكل مستمر في هذه الفترة كون هذا الفعل يساهم في تغيير نفسية الأم بشكل كبير ويساعدها على تخطي الإكتئاب الذي يأتي في مرحلة ما بعد الولادة، لأن للطفل تأثير إيجابي على نفسية الأم، كما هي بدورها تأثر بالإيجاب على نفسية طفلها الرضيع. إذن نستنتج من خلال دراسة هذا العالم جون بولبي فيما يخص النمو المتعلق بنفسية الطفل الرضيع، ان نوعية العلاقة التي تجمع الام بطفلها هي علاقة تبادل الثقة والمشاعر الإيجابية.